الأحد، 9 أبريل 2017

من وصايا يعقوب

من وصايا يعقوب الأمر بفعل الأسباب   أ. د .ناصر بن سليمان العمر الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، إن من المواضيع التي تشير إليها سورة يوسف، ومن القضايا المتكررة التي تشتمل عليها آياتها قضية الأخذ بالأسباب، فهذه السورة العظيمة تربي الأمة على قضية الأخذ بالأسباب، وأن ذلك مع أنه مسألة إيمانية عقدية هو من وسائل النجاة . ولذلك رأينا هذا التركيز في هذه السورة على هذه القضية كما هو موجود في كثير من سور القرآن، ونذكر بعض الأمثلة التي وردت في هذه السورة من باب الأخذ بالأسباب،حيث إن يعقوب _عليه السلام_ لما قص عليه ابنه يوسف _عليه السلام_ هذه الرؤيا العظيمة وعرف أبوه تأويلها وما قد يلاقيه ابنه من شدة ومحن وبلاء ما كان منه إلا أن يوصيه، ويقول له: "قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ" (يوسف:5)، لا تكن سبباً في جلب الكيد إلى نفسك، فعندما تقص هذه الرؤيا على إخوانك، وهي رؤيا عظيمة، وقد يفقهون تأويلها كما فقهها أبوهم فيأتي الحسد فيجر عليك وعليهم مايجر . وهذا يشير إلى أن من رأى رؤيا صالحة أوصى النبي – صلى الله عليه وسلم – ألا يقصها إلا على من يحب خوفاً من نشوء الحسد بسبب هذه النعمة وهذه الرؤيا، وكل صاحب نعمة محسود، فلم يكن من يعقوب _عليه السلام_ إلا أن يدله على سبب، لعله يكون فيه نجاته، وكما قال فيما بعد لإخوانه: "وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ "(يوسف: من الآية67) أي: أن يعقوب عندما يقول لابنه هنا "لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ"، ويقول لأبنائه فيما بعد: " لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ" هو لا يمنع وقوع القدر "وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْء" (يوسف: من الآية67)، ولكنه يأخذ بالسبب الشرعي الذي قد يكون سبباً لنجاة ابنه هنا وأبنائه هناك. ومن أمثلة الأخذ بالأسباب أن يوسف _عليه السلام_ لما راودته امرأة العزيز وأصرت في مراودتها وهمت به وهي تملك السلطة والقوة أخذ بالسبب، بل أخذ بعدة أسباب وأعظم الأسباب أنه اعتصم بالله _جل وعلا_" فاستعصم" استعصم بالله ولجأ إلى الله وتضرع إليه فكفاه الله _جل وعلا_ شر هذه المرأة "إنه من عبادنا المخلصين"، ثم أيضاً هرب منها وهذا من الأخذ بالأسباب . ولذلك من الأخذ بالأسباب الهروب من مواطن الفتن ، وكذلك من الأخذ بالأسباب أن أبناء يعقوب _عليهم السلام_ لما طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم بنيامين قال لهم: "قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ" (يوسف:66) بسبب ما فرطوا بيوسف _عليه السلام_، فاحتاط هذه المرة، فقال: "لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ" فأعطوه الموثق، وحدث ما حدث لأخيهم لكن لم يكن بسببهم. وكذلك قال لهم:"لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ " (يوسف: من الآية67)، فهذا أيضاً من الأخذ بالأسباب، ولذلك قال لهم وبين لهم أنه لن يغني عنهم من الله شيء، إنما هي حاجة في نفس يعقوب قضاها _عليه السلام_ خاف عليهم من الحسد أو من العين عندما يجتمعون زمرةً واحدة، فطلب منهم التفرق وهذا من الأخذ بالأسباب ومن أعظم ماورد في هذه السورة من الأخذ بالأسباب قول يعقوب في آخر المطاف:"يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف:87) ومن الحكمة أن الإنسان إذا سلك طريقاً محفوفاً بالمخاطر كركوب البحر مثلاً، من الحكمة ألا يركبه هو وأبناؤه جميعاً خوفاً من أن يغرق المركب فيغرقوا جميعاً أو إذا كان على جانب البحر مثلاً هو وزوجته وطلب أبناؤه منه أن يركبوا بالبحر وكان عددهم مباركاً أي كثيراً كما كان عدد أولاد يعقوب _عليه السلام_ من الحكمة ومن الأخذ بالأسباب ألا يركبوا في مركبٍ واحد؛ لأنهم إذا وقع الأمر قد يؤثر في نفسه وقد يبدأ باللوم ولو فعلت ولو فعلت فالأولى له أن يركب بعضهم في مركب ثم يركب الآخرون في مركبٍ آخر إلى غير ذلك فيما يخاف منه الإنسان، فلما خاف يعقوب _عليه السلام_ حيث إنهم سيذهبون من بلاد كنعان إلى مصر وبلاد غريبة ويخشى عليهم من العدو قال:" لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ "(يوسف: من الآية67) فهذا من الأخذ بالأسباب.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية